إنها السوق، والباعة ازدحموا فى جنون، كل شىء يباع، الوسائد والأسطوانات، نبض الكرامة، رجع الغناء، الظنون.. هكذا وصف الشاعر «ممدوح عدوان» حالة العالم.. مؤكد أن الدنيا الآن ليست إلا «سوقاً كبيرة»، وعلى الرغم من أن للبيع والشراء قيمة كبيرة فى حياة الناس، فإن الأمر يختلف فى مجال المشاعر، فنحن نقول عن الحبيب المخادع «بياع»، ونقول على الوفى «شارى»..
المؤسف أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرات كبيرة فى اتجاه الاستهلاك وأصبح كل شىء «سلعة» قابلة للبيع والشراء، وحتى فى السياسة راجت شعارات البيع بعدما انتشر تعبير «بيع يا لطفى» على لسان سنبل فى مسلسل «رحلة المليون» وأصبح بعدها كلمة باع تعبيرا عن تنازل الإنسان عن مبادئه جريا وراء مصالح مادية عابرة.. وفى هذا الملف نتوقف لنسأل أنفسنا: هل تحولت دنيانا فعلا إلى سوقاً.. وهل أصبحنا مجرد زبائن نستهلك ونجرى وراء أحلام القدرة على الشراء لمجرد إشباع غريزة التملك؟!
الشراء والاستهلاك أحيانا أصبحا معياراً للمكانة الاجتماعية، لم يعد السؤال: ماذا نحتاج؟! ولكن كم من الأشياء يمكننا الحصول عليها؟!، التسوق أصبح غاية عند البعض وليس وسيلة، شراء البضائع والبشر أصبح مهمة للبعض.
هناك أشخاص من عشاق التسوق المهووسين بامتلاك كل جديد، يذهبون للأسواق دون أن يضعوا فى أذهانهم ما هى البضائع التى يحتاجونها، بل يذهبون إليها وكأنهم ذاهبون لنزهة،ويقضون أكبر وقت ممكن فى شراء ما يريدون وما لا يريدون من البضائع، أما غيرهم، فإنهم عادة ما يذهبون للسوق ولديهم قائمة بأنواع البضاعة المطلوبة، يشترونها و يخرجون من السوق على أثر ذلك. الشراء لم يعد يجيب عن سؤال واحد كان مطروحاً قديما وهو الحاجة لكن يجيب عن سلوكيات تبناها إنسان القرنين العشرين والواحد والعشرين: حب الاقتناء والتملك والمباهاة والتعويض.
يحدث أحياناً أن نفتح أعيننا لتقع على أشياء كثيرة فى حياتنا...نتساءل بيننا وبين أنفسنا دون أن نعلن ذلك لمن حولنا: لماذا اشتريناها؟!
وما الذى جعلنا نلهث وراءها لنحتفظ بها فى نهاية المطاف فى ركن منزو معتم؟! وهل أسرفنا عند شرائها أم أنها تستحق ما دفعناه فيها من مال وجهد؟! الأسئلة كثيرة.. والإجابات تحدد شكل حياتنا.